المأمون ومؤدب ولديه
كان الخليفة المأمون قد وكل يحيى بن زياد القراء للقيام بمهمة تأديب ابنيه، وتلقيهما النحو، فأراد الفراء ذات يوم أن ينهض لقضاء بعض حوائجه، فابتدرا إلى نعله يقدمانه له، فتنازعا أيهما يقدمه، ثم اصطلحا على أن يقدم كل واحد منهما فرداً منه، وكان للمأمون على كل شيء صاحب خبر، فرفع إليه ذلك الخبر. فوجه إلى الفراء فاستدعاه، فلما دخل عليه قال له:
من أعز الناس ؟
قال ما أعرف أعز من أمير المؤمنين، قال: بلى من إذا نهض تقاتل على تقديم تعليه وليا عهد المسلمين، حتى رضي كل واحد منهما أن يقدم له فرداً. قال: يا أمير المؤمنين، لقد أردت منعهما من ذلك، ولكن خشيت أن أدفعهما عن مكرمة سبقا إليها، وأكسر نفسيهما عن شريفة حرصاً عليها. فقال له المأمون: لو منعتهما عن ذلك لأوجعتك لوماً وعتباً وألزمتك ذنباً، وما وضع ما فعلاه من شرفهما، بل رفع من قدرهما، وبين عن جوهرهما، وقد بانت لى علامة الفراسة بفعلهما، فليس يكبر الرجل - وإن كان كبيراً عن ثلاث عن تواضعه لسلطانه، ووالده، ومعلمه العلم. وقد عوضتهما بما فعلاه عشرين ألف دينار، ولك عشرة آلاف درهم على حسن تأديبك لهما.