0 تصويتات
في تصنيف منوعات بواسطة (1.5مليون نقاط)
بحر البسيط أبيات فخر وعتاب الشاعر ابي الطيب المتنبي نشأته قصايدة سيرته كاملة

كان سيف الدولة الحمداني يعتز بالمتنبي، ويقدمه على كل شاعر، وكان المتنبي يبادله الشعور ذاته، فأغاظ ذلك الشعراء والعلماء في حاشية الأمير، وذات مرة جرى نقاش في مجلسه فتطاول ابن خالويه على المتنبي، واعتدى عليه، فلم يفعل سيف الدولة شيئاً لنصرة شاعره العظيم، وكأنه رضي بذلك التطاول، فغضب المتنبي، وأزمع السفر إلى مصر، فقال قصيدة منها هذا النص يمدح فيها سيف الدولة ويعاتبه، ويمجد نفسه. وهي من سيفياته (۱) ، التي جاءت من بحر ( البسيط ).

واحر قلباه ممن قلبه شبم

ومن بجسمي وحالي عنده سقم

مالي أكتم حبا قد برى جسدي

وتدعي حب سيف الدولة الأمم

يا أعدل الناس إلا في معاملتي

فيك الخصام وأنت الخصم والحكم

أعيدها نظرات منك صادقة

أن تحسب الشحم فيمن شحمه ورم

أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي

وأسمعت كلماتي من به صمم!

أنام ملء جفوني عن شواردها

ويسهر الخلق جراها ويختصم

وجاهل مده في جهله ضحكي

حتى أتته يد فراسة وقم

إذا رأيت نيوب الليث بارزة

فلا تظنن أن الليث يبتسم

ومرهف سرت بين الجحفلين به

حتى ضربت وموج الموت يلتطم

الخيل والليل والبيداء تعرفني

والسيف والرمح والقرطاس والقلم

يا من يعز علينا أن نفارقهم

وجداننا كل شيء بعدكم عدم

إن كان سركم ما قال حاسدنا

فما لجرح إذا ألم

هذا عتابك إلا أنه مقة

قد ضمن الدر إلا أنه كلم

قلباه : قلبي، والهاء فيها للسكت شبم : بارد بری : براه : جعله هزيلاً، شواردها: الشارد من الإبل : النافر، والمعنى هنا: الأشعار الذائعة الصيت، جراها: من أجلها، فراسة : بطاشة، ومنه سمي الأسد فراساً، يعز : يصعب، وجداننا الشيء: وجودنا إياه، مقة: محبة.

تدور أبيات النص حول فكرتين : عتاب سيف الدولة على تقصيره نحو شاعره وفخر الشاعر بأعماله ومآثره الفكرة الأولى في الأبيات الأربعة الأولى، وفي الثلاثة الأخيرة، والفكرة الثانية فيما عداها .. يقول المتنبي : واحرقة قلبي حباً وهياماً بمن قلبه بارد لا يهتم بي، ولا يشعر بمعاناتي، وأنا عنده عليل الجسم سقيم الحال - بحبه - وهو لا يلتفت إلي، ولا يعطيني المكانة التي أستحقها.

ومن أغرب الأمور أنني أكتم معاناتي ومكابدتي في حبه الذي أصاب جسدي بالنحول والهزال، في حين يدعي أناس - مجرد دعوى - أنهم يحبونه، مع أن حبهم ليس له أي أثر أو علامة تؤكد صدقهم. وعلى الرغم من أن المحبوب - سيف الدولة - يعلم ذلك، ولكنه يتجاهل، فيا من أنت تعدل في أحكامك مع كل الناس إلا معي، أنت موضوع الخصام، وأنا لا أشكوك إلا إليك، فأنت الخصم والحكم.

والمحب الصادق منا بين، والمخادع بين، ولا اعتقد أن سيف الدولة يخفى عليه ذلك، حتى يسوي بين الشحم السليم، والورم الأليم ! فهو أرفع وأبعد من أن يكون نظره سطحيا؛ ومآثري وبطولاتي وأعمالي الجليلة واضحة، وغيري ليس كذلك، فشعري لروعته وجماله يراه حتى العميان، وكلماتي المعبرة اخترقت حتى آذان الصم، والدليل على ذلك أنني بعد أن أقول القصيدة أنام هادئ البال، والناس يسهرون لتحليل بلاغة تركيبها، وفك أسرار جمالها، وقد يحتدم الخصام بينهم بسببها . ورب جاهل تمادى في جهله على منخدعاً بابتساماتي نحوه، حتى إذا لاحت الفرصة، بطشت به يدي وعصفت به کلماتی؛ فلو رأيت أنياب الأسد بادية فلا تحسب أنه يبتسم لك ! ومكاني في الشجاعة غير خاف ؛ قرب سيف بتار سرت به بین الجيشين الكبيرين، وضربت به الأعداء، والموت يتدافع حولي كالموج من كل اتجاه، ولا غرابة في ذلك، فركوب الخيل في الوغى، وإنارة الليل للكرم، وقطع المفاوز والفلوات الموحشة، والضرب بالسيف، والطعن بالرمح، والكتابة الأدبية البليغة، كل هذه الأمور تشهد لي بالسبق في ميادينها.

فيا من يصعب علينا فراقهم يجب أن تعلموا أن كل شيء نجده من دونكم لا معنى له، فإذا كان قول حسادنا فينا يرضيكم، ويدخل عليكم السرور فإنه لا يؤلمنا، فكل شيء من أجلكم يهون، ويا أيها الأمير هذا عتابي لك، إلا أنه منطلق من حب خالص، قد ضمنته أروع الدرر والجواهر في شكل كلمات.

الأبيات من قصيدة رائعة مزج الشاعر المتنبي فيها عتابه سيف الدولة بالفخر بنفسه، ليوجه نظر المعاتب إلى عدم تقديره للمزايا والمواهب التي يتمتع بها الشاعر على الرغم من معرفته بها. بدأ النص بالندبة ( واحر قلباه ) الذي يقصد به العتاب واختار أداة الندبة ( وا ) التوصل بصوتها الممدود حرقة الشاعر إلى قلب المعاتب، وساعد على ذلك حرف المد الألف والهاء نهاية المنادى، مما أعطاها مدى واسعا في الصوت؛ ليكون تأثيرها.

أقوى في الشعور . وقد استخدم الطباق عندما قرن هذه اللوعة في قلبه ( واحر قلباه ، بالبرود في قلب من يحب الشبم ) ليوضح أنه قوبل بأقل مما عنده، وذلك أبلغ في العتاب . وفي الشطر الثاني من البيت الأول وصف الشاعر الحال والجسم بالسقم فشمل الجانبين : الحسي والمعنوي؛ ليبين الأثر السلبي الذي أحدثه تجاهل الممدوح، واستخدام ضمير الغائب في ( قلبه - عنده ) لتخفيف حدة العتاب . في البيت الثاني استفهام ، مالي أكتم حبا ... قصد به توجيه الانتباه، وتنكير كلمة ( حبا ) يدل على عظم الحب الذي يكنه، والدليل على ذلك نحول الجسم وهزاله : « قد برى جسدي ، والمقارنة بين الحب الصادق والحب المدعى يوحي بالاستغراب ممن لا يفرق بينهما.

في البيت الثالث نداء ( يا أعدل الناس ) قصد به استعطاف المخاطب، لعله يمد عدله إليه، وإسناد الخصومة والتحاكم إلى الخصم ( أنت الخصم والحكم ، فيه استعطاف أيضاً. وقد عد الشاعر الأمير خصماً - وهو ليس كذلك - ليوضح أنه السبب في تطاول الخصوم، وفيه مرارة العتاب من محب لحقه الأذى بسبب تفريط محبوبه . في البيت الرابع انتقل الشاعر من الأسلوب الإنشائي إلى الأسلوب الخبري مفاخراً بما ميزه الله به من مواهب وفي البيت الخامس الذي جاء كناية عن جودة الأدب والشعر الذي أبدعه الشاعر؛ حيث وصل إلى القاصي والداني، وسمع به القريب والبعيد لجودته، وعلو مرتبته وإحكام بنائه.

في البيت السادس ( أنام ملء جفوني ) كناية عن الهناءة وهدوء البال تبين مدى ثقة الشاعر في جودة إبداعه الشعري ورضاه عنه، وفي قوله : ( عن شواردها ، استعارة مكنية ؛ حيث شبه الأبيات والقصائد ذائعة الصيت بالنوق الشاردة، ثم حذف المشبه به، وأبقى شيئا من لوازمه وهو الشرود، والاستعارة تبين مدى الشهرة والذيوع للقصائد التي أبدعها الشاعر.

وينتقل الشاعر إلى توضيح شجاعته ؛ حيث جاء في البيت الثامن تشبيه ضمني إذا رأيت نيوب الليث .. . فقد شبه نفسه عندما يضحك الخصومه بالأسد عندما.

يكشر عن أنيابه قبيل افتراس الفريسة والبيت صار مثلاً يتردد على الألسنة. في البيت التاسع صورة بديعة في قوله : ( وموج الموت يلتطم، حيث شبه الموت في ساحة المواجهة بالبحر شديد الموج، استعارة مكنية توضح هول المعركة، وكثرة القتلى، والصورة توحي بشجاعة الشاعر . أما البيت العاشر ففيه إيجاز رائع، وإجمال لأمهات الفضائل المرغوبة، المنبئة عن مؤهلات القيادة والسؤدد ؛ حيث جمع سبعة أشياء في مبتدأ وما عطف عليه، وأخبر عنها بخبر واحد وهو أنها تعرفه ، الخيل والليل .. و .. و .. تعرفني ، وكفى بالإيجاز بلاغة؛ فتركيز المعاني الكثيرة في كلمات قليلة يساعد على استيعاب المطلوب، ويدل على مقدرة غير عادية لدى الشاعر، وفي قوله : ( الخيل والليل ، جناس ناقص أضفى على البيت جمالاً موسيقياً

في البيت الحادي عشر أسلوب مبالغة مقبولة في قوله : ( وجداننا كل شيء بعد كم عدم ، فالذي يفارق أحب إنسان إلى قلبه مهما توافرت لديه المتع والمطالب فإنها لن تعوضه ولن تغني عنه شيئاً، كعدمها في غياب المحبوب . وفيها إيحاء بمدى حب الشاعر السيف الدولة، وفي البيت مقابلة بين و وجداننا - عدم ) جملت المعنى، والنداء : ( يا من يعز علينا .. للتحسر، يدل على معاناة الفراق القاسية

وفي البيت الأخير استعارة تصريحية في قوله : ( قد ضمن الدر ، حيث شبه الكلمات التي نظمت منها القصيدة بالدر الثمين، فحذف المشبه وصرح بالمشبه به، وهي تبين الجودة العالية ... والمستوى الرفيع الذي وصلت إليه هذه القصيدة : لفظاً ومعنى، وتركيباً وسبكاً، وصورة وإيحاء.

2 إجابة

0 تصويتات
بواسطة (1.5مليون نقاط)
 
أفضل إجابة
كان سيف الدولة الحمداني يعتز بالمتنبي، ويقدمه على كل شاعر، وكان المتنبي يبادله الشعور ذاته، فأغاظ ذلك الشعراء والعلماء في حاشية الأمير، وذات مرة جرى نقاش في مجلسه فتطاول ابن خالويه على المتنبي، واعتدى عليه، فلم يفعل سيف الدولة شيئاً لنصرة شاعره العظيم، وكأنه رضي بذلك التطاول، فغضب المتنبي، وأزمع السفر إلى مصر، فقال قصيدة منها هذا النص يمدح فيها سيف الدولة ويعاتبه، ويمجد نفسه. وهي من سيفياته (۱) ، التي جاءت من بحر ( البسيط ).
0 تصويتات
بواسطة (1.5مليون نقاط)
بحر البسيط أبيات فخر وعتاب الشاعر ابي الطيب المتنبي نشأته قصايدة سيرته كاملة

اسئلة متعلقة

0 تصويتات
1 إجابة
سُئل نوفمبر 30، 2023 بواسطة srhelmi (1.5مليون نقاط)
0 تصويتات
1 إجابة
سُئل نوفمبر 30، 2023 بواسطة srhelmi (1.5مليون نقاط)
0 تصويتات
1 إجابة
سُئل سبتمبر 10 في تصنيف حلول دراسية بواسطة srhelmi (1.5مليون نقاط)
0 تصويتات
1 إجابة
سُئل نوفمبر 18، 2023 بواسطة srhelmi (1.5مليون نقاط)
0 تصويتات
1 إجابة
سُئل نوفمبر 21، 2023 بواسطة srhelmi (1.5مليون نقاط)
0 تصويتات
1 إجابة
0 تصويتات
2 إجابة
0 تصويتات
3 إجابة
مرحبا بكم إلى موقع الصرح العلمي، حيث يمكنكم طرح الأسئلة على الموقع وسوف يتم الحل في أقرب وقت.
...