0 تصويتات
في تصنيف ثقافة بواسطة (1.6مليون نقاط)
ابي فراس الحمداني مولده أصله نشأته حياته كامله

هو أبو فراس الحارث بن سعيد بن حمدون العدوي التغلبي. ولد في الموصل عام ٣٢٠هـ، من بني حمدان، الأسرة العربية العريقة التي تنحدر من قبيلة تغلب، وتميزت بالإباء والتمسك بتقاليد الفروسية، وفي ذلك يقول أبو فراس :

لئن خلق الأنام الحسو كأس

ومزمار وطنبور وعود

فلم يخلق بنو حمدان

إلا لمجد أو لباس أو الجود

وقد نشأ الشاعر في حلب، فبعد مقتل أبيه رحلت به أمه ليتربى في حجر النعيم وأبهة السلطان في كنف ابن عمه وزوج أخته سيف الدولة ( علي بن عبدالله بن حمدان ) الأمير الذي استقل بحلب وثغورها بعد ضعف الدولة وقيام الدويلات في الأقاليم، وإن ظل يخطب باسم الخليفة العباسي، وهو الأمير الذي ظل يتصدى للروم أكثر من ستين سنة.

كان بلاط سيف الدولة بيئة ثقافية تضم نخبة. من فلاسفة القرن العاشر ( الرابع الهجري ) وأدبائه وعلمائه، منهم أبو نصر الفارابي، وأبو الفرج الأصفهاني صاحب كتاب الأغاني، وأبو الطيب المتنبي شاعر العرب الكبير، وعالم اللغة ابن خالويه ... وفي هذا الجو المفعم بالفروسية والثقافة تربى أبو فراس، فشب فارساً مغواراً وشاعراً متميزاً، جمع بين مجد السيف والقلم، وكان يربأ بنفسه من أن يكون مداحاً أو شاعراً متكسباً بشعره، يقول:

فخرت بنفسي وامتدحت عشيرتي وما أنا مداح ولا أنا شاعر وقد ذاع صيته ولهجت يذكره الألسن، وحظي لدى سيف الدولة الذي قريه واصطحبه في غزواته، ثم ولاه على ( منبج ) القريبة من بلاد الروم البيزنطية ( تركيا اليوم)، فذاد عنها وحماها، وصمد في وجه الأعداء مرارا، ولكنه فوجئ بزحف الروم سنة ۳۳٨ هـ، فدافع مع من كان معه من الحرس دفاع الأبطال حتى أثخن بالجراح، واقتيد أسيرا إلى ( خرشنة»، يقول في ذلك :

إن زرت خرشنة أسيراً

فلقد حللت بها مغيراً

ثم نقل إلى القسطنطينية، ولبث في السجن بضع سنين قال فيها أجمل قصائده وسميت بالروميات، وهي قصائد تنضح بالأسى والألم، هتفت من خلالها روح بطل أسير كان ملء السمع والبصر، فإذا به مهيض الجناح، يعاني من ذل القيد، ويكتوي بنار الشوق، بعثها من أسره في بلاد الروم إلى سيف الدولة وإلى أمه وصحبه، يعاتب فيها سيف الدولة على تأخره عن افتدائه، ويصور فيها شوقه إليه وحبه له، كما في قوله :

وقد كنت أخشى الهجر والشمل جامع وفي كل يوم لفتة وخطاب فكيف وفيما بيننا ملك قيصر وللهجر حولي زخرة وعباب.

ويبث خشيته من أن يموت في غير ساحة المعركة: أناديك لا أني أخاف من الردى ولا أرتجي تأخير يوم إلى عد ولكنني أختار موت بني أبي على صهوات الخيل غير موسد كما كان - في رومياته - يطلب من أمه أن تتذرع بالصبر، ومن أهله وصحبه أن يساعدوا في افتدائه، ويطلب إلى الشامتين ألا يسروا بأسره، وعندما أتيح لسيف الدولة أن يفتديه، بادر إلى اقتدائه مع رفاقه سنة ٣٥٥هـ وفي السنة التالية لخروجه من السجن مات سيف الدولة، وخلفه ولده أبو المعالي، ثم حدث أن استولى أبو فراس على حمص - بما عرف عنه من حب المجد والسلطة فخرج له أبو المعالي بجيشه ودارت معركة بينهما قتل فيها أبو فراس سنة ٣٥٧هـ.

وقد خلف أبو فراس شعراً غزيراً بالقياس إلى حياته القصيرة، وهو شاعر فخر ووجدان، يقول شعره بعفوية الفارس وصدق شعوره، وكان الصاحب بن عباد يقول :

( بدئ الشعر بملك وختم بملك) يقصد أمرأ القيس وأبا فراس. والنص الآتي من قصيدة اجتمعت فيها معظم المعاني التي ترددت في سائر الروميات، فهو مشتاق إلى أهله وأحبابه، ويعاتب قومه، ويفتخر، ويهجو أعداءه الروم .... وقد نظم القصيدة يرد عليهم حين قالوا : ما أسرنا رجلاً وخلينا عليه ثيابه وعدة حربه إلا أبا فراس .... والقصيدة من البحر الطويل.

أراك عصي الدمع شميتك الصبر

أما للهوى نهي عليك ولا أمر

بلى أنا مشتاق وعندي لوعة

ولكن مثلي لا يُذاع له سر

إذا الليل أضواني بسطت يد الهوى

وأذللت دمعاً من خلائقه الكبر

تكاد تضيء النار بين جوانحي

إذا هي أذكتها الصبابة والفكر

أسرت وما صحبي بعزل لدى الوغى

ولا فرسي مهر ولا ربه عمر

ولكن إذا حم القضاء على امرئ

فليس له بر يقيه ولا بحر

وقال أصيحابي: الفرار أو الردى

فقلت : هما أمران أحلاهما مر

يمنون أن خلوا ثيابي، وإنما

علي ثياب من دمائهم حمر

وقائم سيف فيهم اندق نصله

وأعقاب رمح فيهم حطم الصدر

سيذكرني قومي إذا جد جدهم

وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر

ونحن أناس لا توسط عندنا

تهون علينا في المعالي نفوسنا

لنا الصدر دون العالمين أو القبر

ومن يخطب الحسناء لم يغلها المهر.

عصى الدمع: دمعه عاص فهو لا يبكي، شيمتك : خلقك وطبعك، اللوعة: حرقة الحب أضواني : أضعفني، خلائقه طبائعه جوانحي : الجوانح هي الأضلاع التي تحت عظام الصدر، أذكتها زادتها اشتعالاً، الصبابة : رقة الشوق وحرارته.

يجرد الشاعر من نفسه شخصاً ويخاطبه قائلا : أراك صبوراً لا تبكي، أليس للهوى سلطان عليك ؟ ثم يجيب قائلا : بلى أنا مشتاق، واتحرق شوقاً، ولكن من هو في منزلتي ومكانتي لا يبدي آلامه لأحد، فإذا أسدل الليل ستائره علي ضعفت وخانني الصبر، وأطلقت لهواي العنان، وذرفت الدمع الغزير، وأجد النار التي في صدري توشك أن تضيء إذا زادها الشوق والتفكير اشتعالاً . ثم ينتقل الشاعر لتبرير مسألة أسره، فيقول : لقد أسرت، ولم يكن أصحابي عزلاً من السلاح، وليس فرسي مهرا صغيرا، ولا راكبه حديث عهد بالمعارك ... ولكنه القضاء والقدر، إذا نزل بامرئ فلا مفر منه ، وفي أثناء المعركة عندما صاح أصحابي: ليس أمامنا إلا الفرار أو الموت، قررت الثبات وقلت لهم : كلا الأمرين مر.

ثم يرد على الروم إذ يعتدون بأن خلوا عليه ثيابه وبقية سلاحه قائلاً : ليس علي إلا ثياباً حمراً من دمائكم، وبقية سيف تكسر نصله في أجسادكم، وبقية رمح تحطمت مقدمته في جسومكم!.

ويعاتب قومه الذين تقاعسوا عن افتدائه قائلاً : سيذكرني قومي إذا جد الجد وآن أوان الكفاح، كما يتذكر الناس البدر في الليلة المظلمة، ويفتخر بنفسه وعشيرته فيقول : إننا قوم لا نعرف التوسط، فإما أن نكون في مقدمة الناس قاطبة، وإما أن نموت وتبذل نفوسنا رخيصة في سبيل المجد والشرف والرفعة، كما يفعل من يخطب امرأة حسناء، فلا يبالي بغلاء مهرها.

تنساب أبيات القصيدة من غير تكلف أو صناعة لفظية، في نابعة من شاعرية أصيلة صقلها الأسر، وإحساس مرهف بلوره العذاب . في البيت الأول يخاطب الشاعر نفسه وكأنه يخاطب شخصاً آخر لا يعرفه، منكراً على نفسه انحباس الدمع في عينيه، وهو الأمير العاشق، ففي قوله : ( عصي الدمع ) يشبه الدمع بالإنسان يعصي ويطيع، ثم يحذف المشبه به ويأتي بصفاته، فيما يعرف بالاستعارة المكنية، كما تجد المطابقة بين و أمر، نهي.

في البيت الثاني يجيب عن الاستفهام الذي أورده في البيت الأول ليزيد من توضيح المعنى، وليتحول إلى ضمير المتكلم، وإن كان الغرض من الاستفهام التعجب وقد اختار كلمة ( مثلي ) ليوحي بتميزه عن غيره من الناس العاديين، وبين كلمتي يذاع ، سره مطابقة.

وتتعدد الاستعارات المكنية في الأبيات، ففي البيت الثالث يوضح الشاعر حقيقة حاله، فتأتي الاستعارة المكنية و الليل أضواني وفيها تشخيص لليل أكسب المعنى تأثيراً، وأخرى في قوله : ( يد الهوى ) ، حيث شبه الهوى بإنسان وحذف المشبه به وأتى بشيء من لوازمه هو اليد، وكذا قوله : « وأذللت دمعا ، وفي هاتين الاستعارتين نلمح سيطرة الشاعر على نفسه، فهو الذي بسط يد الهوى وأذل الدمع، وينمي هذا التشخيص للدمع فيقول : من خلائقه الكبر، وقد جاءت كلمة : دمعاً ، نكرة لتدل على الكثرة . أما في البيت الرابع فقد شبه الشوق بالنار، وحذف المشبه وذكر به، وهي استعارة تصريحية، وفي الشطر الثاني يعود للاستعارة المكنية في قوله : أذكتها الصبابة والفكرة. ثم يبرر الشاعر حادثة الأسر في البيتين: الخامس والسادس بأسلوب عفوي مباشر وإن كان يوحي بالفخر بنفسه وبفرسه وبأصحابه، ويبرز إيمانه بقضاء الله وقدره، وقد زاد المعنى وضوحاً وقوة المطابقة بين ابر وبحر . وفي البيت السابع إيحاء - أيضاً - بالفخر بشجاعته في المعارك كانت النتائج، فحين يغريه أصحابه بالفرار يختار الاستبسال والثبات، وفي اختياره لكلمة أصيحابي ) بالتصغير إشارة إلى قلة من بقي معه من المقاتلين، وقد زاد من جلاء.

المعنى ذكر المقابلة في: « الفرار ، الردى والطباق في «أحلى، مر» . وتأتي الكناية ( علي ثياب من دمائهم حمره في البيت الثامن، بالإضافة إلى البيت التاسع، لتختزل كل تاريخه النضالي في مقارعة هؤلاء الغزاة الطامعين وتوحي بما يريده من فخر بشجاعته وطول بلائه.

أما قوله : ( وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر في البيت العاشر فقد جرى مجرى الأمثال، وهو تشبيه تختلف صورته عن صور التشبيه المألوفة، إذ يلمح ضمناً في الكلام، ولذلك سمي التشبيه الضمني، وفيه شبه نفسه بالبدر الذي لا تشعر بقيمته إلا في الليلة الظلماء.

وفي البيتين الأخيرين يفتخر بنفسه وبقومه ملخصاً فلسفتهم في الحياة، فتأتي المقابلة في البيت التاسع بين (الصدر» و «القبر ) لتؤكد عدم التوسط . ويعود إلى التشبيه الضمني في البيت الأخير، حيث شبه المعالي بالحسناء ونفوسهم بالمهر ليؤكد المعنى نفسه من الحرص على المجد والعزة والشرف مهما كانت التضحيات.

وهكذا نلمح في هذه الأبيات بعضا من خصائص شعر أبي فراس، كالسهولة والعفوية، كما يظهر الأثر الإسلامي عند ذكر القضاء والقدر، والأثر التاريخي في الكلام عن الروم وأطماعهم، والبطولات العربية الإسلامية التي تتجلى في أصعب الظروف وأحلكها.

2 إجابة

0 تصويتات
بواسطة (1.6مليون نقاط)
 
أفضل إجابة
هو أبو فراس الحارث بن سعيد بن حمدون العدوي التغلبي. ولد في الموصل عام ٣٢٠هـ، من بني حمدان، الأسرة العربية العريقة التي تنحدر من قبيلة تغلب، وتميزت بالإباء والتمسك بتقاليد الفروسية، وفي ذلك يقول أبو فراس :
0 تصويتات
بواسطة (1.6مليون نقاط)
أبيات عزة أسير الشاعر ابي فراس الحمداني مولده أصله نشأته حياته كامله

اسئلة متعلقة

0 تصويتات
1 إجابة
0 تصويتات
1 إجابة
0 تصويتات
1 إجابة
سُئل منذ 4 أيام في تصنيف حلول دراسية بواسطة srhelme (1.6مليون نقاط)
0 تصويتات
1 إجابة
0 تصويتات
1 إجابة
سُئل سبتمبر 10 في تصنيف حلول دراسية بواسطة srhelme (1.6مليون نقاط)
0 تصويتات
1 إجابة
سُئل نوفمبر 18، 2023 بواسطة srhelme (1.6مليون نقاط)
منصة موقع الصرح العلمي ثقافي تعليمي تربوي يسعي لأثراء المحتوي العربي وتنوير العقول العربية بالمعلومات الصحيحة والدقيقة، كل ذلك من خلال كادر الصرح العلمي التعليمي.
...