ما الدروس والعبر المستفادة من قصة أويس القرني ؟
حفل التاريخ الإسلامي بنماذج مشرقة من الرجال الأفذاذ الذين ظهروا في عصر الصحابة والتابعين وضربوا أروع الأمثلة في التواضع والزهد والجهاد وسمو النفس ونقاء الروح وكانت سيرتهم العطرة زادا وأسوة حسنة لمن يأتي بعدهم، بما أودع الله في قلوبهم من قوة اليقين، وكمال التقوى والزهد في الدنيا، وصدق الجهاد. ومن هؤلاء الرجال الأفداذ تابعي جليل من الذين عاشوا في الظل بعيدا عن أضواء الشهرة تلقى العلم عن الصحابة وتربى على أيديهم، وجاهد معهم، وعلم فضلهم، وبشر به النبي صلى الله عليه وآله وسلم - فسماه باسمه، وجلاه بوصفه وأمر أصحابه بالسؤال عنه، والتعرف عليه وطلب الدعاء منه، فمن هو هذا التابعي الجليل وما أهم مناقبه التي رفعته إلى المراتب العلية إن هذا التابعي الجليل هو أويس بن عامر القرني المرادي اليمانيرولد ونشأ في اليمن، في بني قرن وهي بطن من بطون مراد، وقبيلة مراد إحدى بطون مدحج اليمانية كان أويس القرني ثقة صدوقا مستجاب الدعوة، أصيب بوضح برض فدعا الله عز وجل أن يذهبه عنه فأذهبه وقد أسلم مع غيره من الناس الذين دخلوا في الإسلام أفواجا، وأخبر عنه وعن إسلامه النبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم الذي لا ينطق عن الهوى وكان إخباره عنه معجزة من معجزاته فهو لم يلقه، وإنما تلقى خبره من الله، وقد ورد في الحديث الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال إن خير التابعين رجل يقال له أويس، وله والدة هو بها بر، لو أقسم على الله لأبره، وكان به بياض، فمروه فليستغفر لكم، ولذلك يلقب أويس القرني بأنه خير التابعين لقد اشتهر أويس بالزهد والتقوى والورع، ولذلك فإن خيريته وأفضليته على التابعين تكمن في هذه الصفات وقد وصف في كتب التراجم بأنه القدوة الزاهد سيد التابعين في زمانه وأنه من أولياء الله المتقين ومن عباده المخلصين وقد أعطى النبي صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله أوصاف أويس القرني للأمة لتقتدي به وأخبار أويس وأوصافه مستوعبة في كتب التراجم قيل في وصفه إنه معتدل القامة شديد الأدمة بعيد ما بين المنكبين، متزر بإزار صوف، ذو طمرين لا يؤبه له مجهول في أهل الأرض، معروف في السماء، لو أقسم على الله لأبره، وهو من الذين إذا حضروا لم يعرفوا، و وإذا غابوا لم يفتقدوا، قلوبهم مصابيح الدجى كان يجالس العلماء، ويصاحب الفقهاء وكان يصغي لكل قول مفيد، وكل رأي سديد، وإذا تكلم لم يطل في كلامه كان أويس يميل إلى الخلوة والخفية والتواري عن الأنظار، مخلصا قلبه لله، ولا يحب أن يطلع أحد على ما يقوم به من أعمال الخير والبر والتقوى، يعيش حياة بسيطة متواضعة وتذكر الروايات أنه كان رب الحال، فإذا غسل ثوبه اختفى عن الناس حتى يجف وقيل كان له رداء إذا جلس مس الأرض، وكان يقول اللهم إني أعتذر إليك من كل كبد جائعة، وجسد عار، وليس لي إلا ما على ظهري وفي بطني ومما روي عن زهده أنه كان كثير التهجد يطيل الركوع والسجود، يتصدق بما في بيته من فضل طعامه وثيابه، ثم يقول اللهم من مات جوعا فلا تؤاخذني به، ومن مات عريانا فلا تؤاخذني به لقد ظل أويس زاهدا ورعا مجاهدا في سبيل الله، وقد قدم مع أمداد أهل اليمن وخرج مع الإمام علي بن أبي طالب في موقعة صفين، ودعا الله قائلا اللهم ارزقني شهادة توجب لي الحياة والرزق وقاتل بين يدي الإمام علي حتى استشهد، وهو مثقل بجراحه فنظروا فإذا به نيف وأربعون جرحا ما بين ضربة بسيف، أو رمية بسهم وكان استشهاده سنة ٣٧ه.