قصة "لوعة أم"؟
لم يألف الصياد أن يأخذ زوجته معه في رحلة الصيد المعتادة نهاية كل شهر، لكنه في هذه المرة استجاب لطلبها أملا أن تؤنسه في رحلته. وفي الطريق وجد فجأة أمام سيارته جروا جميلا. أحب الصياد أن يأخذ الحيوان حيا، واستطرفت الزوجة الجرو اليافع. كان هذا الجرو قد ضل عن غابته، وغاب عن إخوته، ووصل إلى الطريق، فتوقف أمام السيارة متعجبا متحيرا تائها صاغرا. تصورته المرأة في حديقتها يحظى بعطف الصغار ويفخر به الكبار. فللجيران قطط وكلاب متنوعة وطيور نادرة، وسلاحف وأسماك ملونة وبعضهم يمتلك فردا صغيرا، ومنهم من يفخر بتربية نعامة عملاقة، فلم لا تربي هي بدورها ذنبا يكون زينة الدار ؟ ولم تطل دهشة الحيوان، فقد نزل الصياد بحذر واقترب منه، وأخذه بين ذراعيه وأدخله السيارة وانطلق. شعرت الذنبة بأن القطيع ينقصه فرد عزيز عليها، فأخذت تبحث عن جروها بين الأشجار حتى وصلت إلى الطريق، فرأت عمل الصياد بصغيرها، وهالها أن تنطلق به السيارة، فلحقت بها وهي تعوي. زاد السائق في السرعة فزادت في سرعتها، واقتربت من السيارة ضاعف السائق السرعة، فتوقفت الأم لحظة تستجمع قواها، ثم استأنفت العدو فكادت تلامس الحديد، فرفع السائق السرعة إلى أقصاها. لم تيأس الأم، بل اندفعت بكامل طاقتها وراء السيارة تعدو وتعدو ، لكن الحديد يبتعد عنها، فضاعفت المسكينة قواها لكن أعصابها انهارت، بينما ازدادت السيارة بعدا عن ناظريها وهي تحمل صغيرها، فدب الضعف في أوصالها. غاب الحديد بمن فيه، فدب اليأس في قلبها، توقفت تتنفس بقوة وعصبية التفتت حولها فرأت الطريق أمامها خاليا والغابة ساكنة، فلم تتحمل الموقف فأخذت تضرب برأسها أرض الطريق وهي تعوي عواء عظيما. أيقنت الزوجة أن الذنبة لم تعد قادرة على اللحاق بهم، فطلبت إلى زوجها أن يخفض من سرعة السيارة، ثم رجته بصوت ضعيف أن يعود أدراجه. استجاب الرجل لطلبها في شيء من الدهشة لكن دهشتهما كانت أشد لمرأى الأم الملتاعة اغرورقت عينا الزوجة بالدموع، وما لبثت أن فتحت باب السيارة لتطلق قيد الجرو الصغير.
التعريف بالكاتب: محمود طرشونة أديب تونسي ولد (1941م) ناقد وروائي وأستاذ التعليم العالي بالجامعة التونسية (منذ 1971م). له العديد من المؤلفات القصصية والروائية والنقدية منها: (نوافذ. المعجزة، دنيا)، حصل على الجائزة التقديرية.