في قديم الزمان، أصدر أحد الملوك أمراً يمنع الكتب من دخول المملكة، كما منع جميع الذين يعرفون القراءة والكتابة من دخول البلاد التي يحكمها. ويتذكر الناس كيف كان الحراس يفتشون البيوت، وكيف قبضوا ذات يوم على رجل أخفى تحت ملابسه بعض الكتب، ثم لم يعرفوا ماذا حدث لهذا الرجل، لكن الناس تهامسوا كثيراً في قصته، وتناقلوا أخباراً كثيرة عن قوله للقاضي حول أهمية الكتب للإنسان، حيث قال: إني أفضل الموت على أن أعيش جاهلاً كالحيوان.
اهتم أحد الأطفال واسمه يعقوب كثيراً بهذا الأمر، فسأل والده: لماذا أراد هذا الرجل أن يقرأ كتاباً يا أبي ؟ فأجابه الأب هامساً: اخفض من صوتك .. لقد قال: إن الكتب تعلم الإنسان كيف يفكر بطريقة أفضل. وكيف يعيش بشكل أحسن.
فقال يعقوب: ولماذا يجب أن تفكر يا أبي ؟
تسجيل الدخول
أجاب الأب هامساً: ينبغي أن تفكر لتفهم كل شيء، لماذا تهطل الأمطار ؟ ولماذا ينبت الزرع؟ وكيف تشرق الشمس ؟ ولماذا يكون هناك فقراء ؟
فعقب يعقوب ولكن اليس جميلاً أن تعرف كل هذه الأشياء يا أي ؟ تنهد الأب، ثم همس : نعم، شيء جميل أن تعرف كل ذلك يا بني، إلا أن القاضي يقول: ليس ضرورياً أن نفكر نحن، فالملك يفكر دائماً نيابة عنا، وهو يعتقد أن الكتب تبليل الفكر، ولهذا فقد منعها من المملكة.
وحين كبر يعقوب كبرت معه الرغبة في رؤية الكتب وقراءتها، فأخذ يتسلل مع أصدقائه ليجلبوا الكتب من خارج المملكة، ويسهروا الليل كله في تعلم القراءة والكتابة لفهم ما يدور حولهم، لماذا يعيش الناس في الفقر والمهانة؟ ولا يعرفون حقوقهم؟ ولماذا يمنع الملك دخول الكتب للمملكة؟ ومن يومها راح الناس يقبلون على القراءة والكتابة سراً رغبة في تحسين واقعهم وتطويره. وكان يعقوب وأصحابه يوزعون المزيد من الكتب ليلاً على كل سكان المدينة. وكان الناس في مجالسهم يتحاورون عما قرأوا في الكتب فيزيد وعيهم كل يوم.
ولم يمض وقت طويل حتى عرف أهل المدينة أن الملك يأخذ لنفسه وحاشيته كل أموال المملكة، ويعيش في ثراء فاحش بينما يتضور الشعب جوعاً، وأن قصر الملك مزين بالحلي والجواهر والناس يعيشون في أكواخ من القش وبعد عدة سنوات اكتشف الجند يعقوب وأقرانه وقبضوا عليهم.
أعلن الملك أنه سوف بعدمهم بتهمة إدخال الممنوعات وهي الكتب إلى المملكة. وفي يوم تنفيذ حكم الإعدام عليهم ثار الشعب وملأ الشوارع ولم يستطع الجند ردهم. ووصلت المسيرات التي تهتف بإطلاق سراح المعتقلين وسقوط الملك إلى قصره. هنا خاف الملك وأطلق سراح يعقوب وأصحابه، ولكن الجموع لم ترجع، بل دخلوا القصر عنوة، وقبضوا على الملك وحاشيته، وبعد أيام حكم على بعضهم بالموت وفيهم الملك وعائلته، وحكم على الآخرين بالسجن. واختار الثوار يعقوب حاكماً على البلاد وعين أصحابه وزراء له.