صناعة الأدوية هي إحدى الصناعات العريقة التي أصبحت اليوم ثاني صناعة إستراتيجية بعد الزراعة. فهي لا تقدم المواد التي تخفف آلام المرضى وتساعدهم على الشفاء فحسب؛ ولكنها تقدم كذلك علاجات للأصحاء، لوقايتهم من المرض، ورفع لياقتهم البدنية إذا احتاجوا لذلك، كما تسهم في إنقاذ أزواج ملابين البشر كل عام بإذن الله الذي أمرنا بالتداوي على لسان نبيه صلوات الله عليه وعلى آله: تداووا عباد الله فإن الله لم ينزل داء إلا أنزل له دواء.
كانت صناعة الأدوية قديما نشاطا يقوم به أفراد من ذوي الخبرة بالمواد الطبية في عصرهم، يستخرجون الأدوية بطرائق بدائية تقوم على التجربة والحظ باستخدام بعض النباتات والحيوانات والمعادن، سواء أكانت مخلوظة مع غيرها أم مركبة؛ ويبيعونها للأطباء أو المرضى مع أية سلع أخرى، ولا تخضع تلك الأنشطة ومن يمارسها لأية رقابة، أو معابير أو شروط، وفي العصور الوسطى تقدمت صناعة الأدوية تقدما كبيرا على أيدي علماء المسلمين حيث كانوا أول من ربط بين علم الأدوية وعلم الكيمياء في بعد تأسيسهم للمنهج التجريبي الذي قامت عليه الحضارة الحديثة في شتى المجالات. وعندما أبدع المسلمون الأوائل في الكيمياء، طبقوا علومها على الصيدلة، ونتج عن ذلك عدد كبير من الأدوية المركبة، وفصلوا بين علم الطب، وعلم الصيدلة لأول مرة، وظهرت أول صيدلية في العالم في بغداد سنة ٧٥٤ه ومنذ ذلك العصر أصبحت الصيدلة عند المسلمين مهنة مستقلة، لها وتقاليدها وأسسها. وكان على طالب الصيدلة أن يدرس دستورا طبيا يوضح الطرائق التي يجب اتباعها عند تحضير الأدوية والعقاقير، ولا يسمح للصيدني آنذاك بصنع الأدوية إلا بعد أن ينجح في الاختبار التأهيلي الذي يعد له بعد دراسته لعلم الأدوية ثم يمنح شهادة تسمح له بممارسة مهنة الصيدلة وصنع الأدوية، ويسجل اسمه في كشف الصيادلة الممارسين، بعد أن يؤدي اليمين.
وبذلك يتضح لنا أن صناعة الأدوية والصيدلة لدى المسلمين في العصور الوسطى هي الأساس لصناعة الأدوية والصيدلة في العصر الحديث. ويقال: "إن علم الصيدلة العربي استمر في أوروبا حتى منتصف القرن التاسع عشر الميلادي". وفي العصر الحديث غدت صناعة الأدوية كغيرها من الصناعات أكثر تطورا وإنتاجا وتوسعا، فقد أصبحت تتدخل حتى في صنع المواد الغذائية ببعض الإضافات الصحية الجعل الغذاء أكثر أمانا وفائدة، وبلادنا بدأت بحمد الله وحسن توفيقه بتصنيع بعض المركبات الدوائية بجودة عالية.
وكانت تقوم بصناعة الأدوية شركات صغيرة بمعامل ذات إنتاج محدود قبل مرحلة المصانع العملاقة ذات الإنتاج الواسع، وكانت معادير الإنتاج والرقابة عليها ضعيفة؛ لذلك كانت تظهر كوارث صحية مثل: حالات الوفاة، والأمراض الخطيرة وتشوهات الأجنة، وغيرها نتيجة لأخطاء تصنيع بعض الأدوية، وقد أصبحت جودة الدواء حجر الزاوية في صناعة الأدوية، ويقصد بالجودة الدوانية: توافر المأمونية، والفاعلية، والثبات، وتقبل المريض للمستحضر الدواني. وقد فرضت قوانين صارمة لتجريب أي دواء جديد لمعرفة آثاره الجانبية ومدى خطورته، والتأكد من مأمونيته وفعاليته، وبعد نجاح تلك التجارب يتم الإذن بتصنيعه تجاريا، واستخدامه، وعلى المستهلك أن يتجنب الأدوية المزيفة في الأسواق، وأن يشتريها من الأماكن المصرح لها ببيع الأدوية، وأن يتأكد من تاريخ صلاحيتها، ولا يستخدمها.