لغات البشر اليوم أكثر من (٦٥٠٠) لا يصلح للكتابة منها إلا مئات قليلة، أما اللغات العالمية التي يتحدث بها منات الملابين فقليلة، أبرزها اللغة العربية المعترف بها عالميا. ولو بحتنا في المقارنة بين هذه اللغات العالمية لوجدنا أن العربية اختارها الله لآخر كتبه وأنبيائه بلسان عربي مبين ﴾ (الشعراء) وتلك ميزة ما أعظمها جعلتها اللغة الخالدة الوحيدة بين لغات الدنيا. يقول الكاتب الفرنسي إرنست رينان: اللغة العربية بدأت فجأة على غاية من الكمال، وهذا أغرب ما وقع في تاريخ البشر، فليس لها طفولة ولا شيخوخة وثمة تساؤلات: ما اللغة الأطول عمرا بين هذه اللغات ۚ وما أكثرها تراثا وثراء وما أكثر اللغات مرونة للمستجدات المختلفة، دون اضمحلال خصائصها؟ما أوسع اللغات في المدرج الصوتي تمثيل الأصوات كتابة دون تكرار حروف من أخرى أو إهمال أصوات أو ضعف الارتباط بين النطق والكتابة)؟ولتثبت أن ذلك لم يتحقق لأي لغة كما تحقق للغة العربية بنظرة موضوعية سنجد أنها أقدم اللغات الحية، يرجع تاريخها إلى أكثر من (۱۸۰۰) سنة، اللغات الأخرى تندثر خصائصها وتتحول إلى لغة أخرى في فترة قصيرة لا تزيد كثيرا عن القرنين؛ فلو أعطيت تلمينا في الصف السادس - مثلا - نضا عربيا فصيحا كتب قبل ألف سنة لاستطاع أن يقرأه، وقلما يحتاج معجما بينما لو أعطيت مثقفا إنجليزيا مثلا نصا كتب باللغة الإنجليزية الفصيحة قبل مائتي سنة لتعسر عليه فهمه؛ لأن الإنجليزية كانت قبل مائتي سنة لغة لا تينية مختلفة، وأصبحت اللاتينية اليوم لغة ميتة لا يفهمها أحد إلا علماء اللغات والآثار. وكذلك في المستقبل فالإنجليزية المستخدمة اليوم ستصبح لغة ميتة بعد مائتي سنة تقريبا؛ لأن التجدد والتغير الذي يطرأ عليها باستمرار يقضي على خصائصها كما ثبت ذلك تاريخيا، وقس على ذلك سائر اللغات عدا اللغة العربية.
فالتجدد والتطور الذي تكتسبه اللغة العربية يزيدها قوة لا ضعفا؛ لأنه يتسق مع المحافظة على خصائصها وتوسعها، مثل الشجرة العظيمة، كلما تمسكت بأصولها وجذورها ازدادت فروعها وأغصانها نموا ونضارة، وستبقى اللغة العربية عالمية بعالمية القرآن الكريم ما بقيت الحياة؛ ﴿إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحفظون ﴾ (الحجر). يقول العقاد: لكن العربية على قدمها تتجدد ، لها مزايا متعددة كلما تقدمت الدراسات الحديثة في العلوم اللسانية والصوتية، إنها لغة سهلة النطق، مريحة للسمع، غزيرة المعاني أكثر من غيرها.
ويقول الكاتب الألماني فريتاغ: «اللغة العربية أغنى لغات العالم» يكفي أن نعرف أن عدد مفرداتها أكثر من مليون مفردة وأنواع البديع جعل الألفاظ في تراكيب جميلة أكثر من مائتي نوع، أضعاف ما لدى غيرها ومن حيث دقة الدلالة، وقوة ترابط الألفاظ بالمعاني، نجد أنها تمتلك من الأدوات والحيوية في معالجة الألفاظ والتراكيب لتتناسب مع المعاني ودرجاتها ما لم تمتلكه لغة أخرى.
ومثال على مرونة الاشتقاق : كلمة طيران فعله يطير ومنه طائرا طائرة) والمكان المعد لها مطار ومن يقودها طيار) وهكذا .. تلحظ أنها كلمات حروفها قليلة، ودلا لتها واضحة، والعلاقة التي تربط بين ألفاظها الحروف المشتركة، ومتسقة مع ترابط المعاني.
ثمة قضية ينبغي التنبه لها، وهي أن اللغة أيا كانت، تزدهر باجتهاد أهلها في استغلال العوامل المختلفة لنشرها، فمع انتشار الفتوحات الإسلامية انتشرت اللغة العربية، وتعربت كثير من الشعوب، وأثرت العربية في لغات أخرى، مثل: التركية والفارسية والإسبانية والألمانية.
والاستعمار الفرنسي - مثلا - كان متسلطا على شعوب أفريقية (مثل : السنغال) واستطاع تهميش لغتهم الأصلية في سنوات قليلة؛ لتصبح الفرنسية هي اللغة الرسمية حتى بعد رحيل الاستعمار بينما الاستعمار البغيض نفسه حاول فرنسة الشعب الجزائري ومحو لغته العربية من الوجود وعلى مدى عقود طويلة من الزمن وبإمكانات هائلة، لكنه لم يفلح!
نعم تنكر الأوروبيون للغة العربية اليوم، بعدما نهلوا منها مئات السنين، وأخذوا كثيرا من المعارف والنظريات العلمية التي اكتشفها العلماء العرب والمسلمون وصبغوها بلغاتهم ونسبوها - بهتانا - إلى علمائهم مثل: تأسيس علم الفلك والصيدلة، واكتشاف الدورة الدموية، ونظرية الإبصار بينما كان يقولون: لا يتعلم الكيمياء أو الفلك أو الرياضيات من لم يتعلم العربية، فنعم القارئ العربي من يغار على لغته، ويذكر أنه لا يطالب بحمايتها فحسب، وإنما بحماية العالم من خسارة فادحة تصيبه بما يصيب هذه اللغة العالمية، بعد أن بلغت مبلغها الرفيع من التطور والكمال؛ لأن السهام الموجهة إلى لغة الضاد مسددة إلى القلب إلى الدين والهوية، ولا تقف عند الفم واللسان وما ينطقان به فإياكم والتفريط فيها.