نظر عبد الله إلى السماء من شرفة منزله، وقد بدأت تتلبد بالغيوم؛ فرأى سحابة قادمة، فقال وهو في قمة السعادة: مرحى مرحى تقدي يا سحابة، واسكبي غيثك ليروي الأرض العطشى، ولم تكن غير لحظات حتى بدأ الغيث ينهمر بغزارة.
أخذ عبد الله يبتهل بصوت خافت، وأولاده من حوله يستمعون إليه فإذا به يقول: يا مغيثا عباده سبحانك ما أكرمك ويا لطيفا بخلقه ما أرحمك! لقد أخذت المياه تنحدر من قمم الجبال في فلجان، وتنسكب من فوق الصخور في شلالات، وغدت تتجمع من كل مكان مكونة سيولا تجري في الوديان. يا الله كم كان المنظر جميلا، وقد امتلات المدرجات بالمياء، وارتوت القائمة، وهنا التفت الأب إلى أبنائه، وقال لهم:
يا أبنائي، الحمد لله، ها قد جاء موسم الزراعة، فهيا يا رجال، خذوا معاولكم، واستعدوا لحرث أرضكم وزراعتها، فهنيئا لك يا حارنا حقلا، وبشراك يا زارعا أرضا، قال عبد الرحمن: كم يستمر موسم الأمطار في بلادنا ۚ وهل تكفي هذه الأمطار لري المزروعات يا أبي؟ قال الأب: يا عبد الرحمن إن موسم الأمطار في بلادنا يأتي في فصل الصيف، ويستمر إلى ما شاء الله، فالله رحيم بعباده، والناس في هذا الموسم يقومون بزراعة حقولهم، ويسقونها من مياه الأمطار، إضافة إلى ما تحجره السدود من هذه المياه لتكون رافدا أساسيا لري الأرض وزراعتها.
قال زيد: الحمد لله على نعمه، ويجب علينا أن نستغل هذه المياه النافعة في ري الأرض المزروعة، فقالت فاطمة: يا زيد، لقد اشتهرت بلادنا منذ القدم بالزراعة، وبجودة محاصيلها الزراعية، وقد ذكر الله في كتابه الكريم أرض الجنتين في قوله تعالى: ﴿لقد كان لسبا في مسكنهم آية جنتان عن ي ن عن يمين وشمال كلوا من رزق ربكم واشكروا له بلدة طيبة ورب غفور ﴾.
ووصف الله الأرض اليمنية بأنها بلدة طيبة، تنتج خيرا كثيرا، وهذا يدل على أن الأمطار الموسمية كافية قديما وحديثا لإرواء الأرض والإنسان، قال الأب: أحسنت يا فاطمة، فقد ظلت الزراعة قديما وحديثا تلعب دورا مهما في حياة الناس في بلادنا، فهي تمدهم بالغذاء، والمواد الخام اللازمة للعديد من الصناعات، وتوفر لهم فرص عمل كثيرة، إضافة إلى ما كان يتم تصديره قديما من المحاصيل النقدية كالبن، والبخور واللبان، وهي محاصيل لا يزال الطلب عليها حديثا نتيجة لجودتها، وأضاف الأب قائلا: ولا بد أن تعلموا يا أبنائي أن بلادنا تمتاز بتنوع تضاريسها، وتنوع مناخها، ونتيجة لذلك تنوعت محاصيلها الزراعية - أيضا - فمثلا الأودية في السهول الساحلية والشمالية وسهول حضر موت تزرع فيها الفواكه المختلفة مثل: الموز، والبرتقال، والمانجو، والتفاح، والعنب وغيرها، كما تزرع فيها بعض المحاصيل النقدية التي تصدر للخارج، مثل: القطن، والبن.
وفي مناطق المرتفعات والمنحدرات تزرع الحبوب مثل: القمح، والدخن، والدرة بنوعيها، وتأتي الخضروات في المرتبة الثالثة بعد الحبوب والفواكه من حيث الأهمية ومن أهم محاصيلها: البطاطا والطماطم، وقد بدأ المزارعون مؤخرا يهتمون بزراعة أنواع متعددة من الخضروات، إضافة إلى اهتمامهم بالمحاصيل الأخرى، وكان إنتاجها وفيرا وذا جودة عالية، وختم الأب حديثه قائلا: من لا يملك قوته فلا يملك قراره، وبلادنا خيرة ومعطاءة، وتحتاج إلى جهودنا جميعا.