اتصف اليمنيون على مر الأزمان بالشجاعة والبطولة والقوة، ولهذا استطاعوا هزيمة الغزاة وتلقينهم دروسا في الحرب لن ينسوها أبدا، ولما جاء الإسلام كانوا دروعه المنيعة، وأنصاره الأمناء حين خذله الآخرون، وقد نسج الشاعر هذه القصيدة مصورا فيها شجاعة اليمنيين وبسالتهم، وصدق إيمانهم، وشدة بأسهم، وما حققوه من انتصارات مذهلة.
ذكر الشاعر في البيتين الأول والثاني أن التاريخ يشهد بشجاعة اليمنيين الأحرار، وبطولتهم، ويؤكد أن تلك الشجاعة قد أكسبتهم العزة والرفعة والمقام العالي، حتى أصبحوا قدوة في الشموح والحرية والإباء، بل غدوا مصدر هداية، يستنير بهم أحرار الأرض.
وفي البيت الثالث يستحضر الشاعر من عبق التاريخ قبيلتي: (الأوس والخزرج) اليمنيتين، وأنموذج البطولة في بدر وحنين) والوفاء في (بيعة الرضوان)؛ ليبرز دور اليمنيين الشبعان في نصرة دين الله، والدفاع عنه، منذ أن كان نبتة إلى أن انتشر ودانت الدنيا.
وفي البيتين الرابع والخامس يصرح الشاعر بحب اليمنيين محمد - صلى الله وسلم عليه وعلى آله - واتباعهم لهديه، والاقتداء به في كل أمر، فنهلوا من شجاعته، وتخلقوا برحمته، فأصبحوا مثالا للشجاعة والرحمة، ومكارم الأخلاق، وغدوا حاملين للخير أينما اتجهوا، فإذا نزلوا أرضا أقاموا العدل، ونشروا السلام والأمان، وسادت روح المحبة والإخاء، وبذلك تحقق لهم المجد والسودد.
وفي البيت السادس يذكر الشاعر دور الإيمان في حياة اليمنيين، وما خلقه فيهم من عزة وقوة ومنعة ، جعلت كل الغزاة يخضعون أذلاء تحت حوافر خيولهم، ويتراجعون منهزمين أمام شدة بأسهم، ووقع ضرباتهم.
وفي البيتين السابع والثامن يسرد الشاعر بعض مظاهر الشجاعة التي تجلت في سلوك اليمنيين، وتجسدت في نصرتهم للمظلوم، وتأمينهم للخائف، فلا يقبلون أن يظلم إنسان عندهم ، أو أن يعيش خائفا، حتى وإن كلفهم ذلك أن يجودوا بأنفسهم في سبيل إزالة الظلم، وتحقيق العدل والأمان لكل من حولهم.
ويختم الشاعر قصيدته، بتقرير حقيقة عرفت عن اليمنيين عبر التاريخ، وهي مقارعة الغازي ومقا ومته ورفضه؛ لأنهم لا يقبلون هيمنة أو الوصاية الخارجية عليهم، حتى أطلق على اليمن (مقبرة الغزاة).
حفل النص بالمظاهر الجمالية الآتية :
في قوله (نقش المجد ) تصوير للمجد - وهو شيء معنوي - بإنسان يرسم ويلون، وكذلك قوله في جبين الزمان) تصوير الزمن بإنسان له جبين. وفي البيت الثاني شبه الشاعر الشمون بالسماء (سماء الشموح)، وشبه اليمنيين فيها بالسموس نحن فيها شموسها)؛ ليبين علو مكانتهم، وتفوقهم على غيرهم، فلم يبلغ أحد مبلغهم، ويصور الخير بشجرة تزرع فتثمر كل جميل (نزرع الخير)، ليبين أثر عمل الخير في نفوس الآخرين، وفي قوله (نشرب المجد من غيوم التداني ) صورة رائعة لأثر التأخي والوحدة في تحقيق العزة والمهابة والسؤدد.
وقد استخدم الشاعر العبارات الموحية مثل قوله : (فوق عرش الغزاة سرنا حيث إنها تدل على هزيمة وإذلال الأعداء، وقوله: (الشجاعة بذل يدل على العطاء والتضحية، وقوله: (يعمر الناس يدل على فيض حبهم للآخرين، وشمول العطاء لهم، وهكذا نرى أن النص الشعري قد تضمن كثيرا من الصور الجمالية التي أسهمت في إبراز المعنى ، وزادته قوة وجمالا، وجعلته أبلغ وقعا على النفس وأكثر إيحاء وإثارة للأحاسيس.